الرئيسية
أحدث الصور
من طرف كانت الساعة حوالي السادسة والنصف صباحا عندما شهدت إحدى مدن الوجه البحري في مصر مشهدا مثيرا إلى أقصى درجة، رجل معلق في فرع شجرة ويوشك على السقوط وثلاثة أطفال يقفون في شُرفة شقة في الطابق الرابع ومجموعة من الأشخاص يقفون في الشارع، والغريب أن الجميع يصرخ الرجل يصرخ، طالبا إنقاذه وإنقاذ زوجته وأطفاله من اللصين المسلحين اللذين اقتحما شقته بغرض السطو عليها، والأطفال يصرخون من شدة الخوف على أبيهم المعرض للسقوط في أي لحظة...
والواقفون في الشارع يصرخون أيضا، بعضهم يشد من أزر الرجل المعلق في الشجرة ويطمئنه بأن النجدة قادمة والبعض الآخر يحاول تهدئة الأطفال.
والواقفون في الشارع يصرخون أيضا، بعضهم يشد من أزر الرجل المعلق في الشجرة ويطمئنه بأن النجدة قادمة والبعض الآخر يحاول تهدئة الأطفال.
بعد قليل كانت إحدى سيارات الإسعاف وصلت إلى المكان لنقل الرجل الذي سقط من فوق الشجرة إلى المستشفى كما وصل رجال الشرطة، وتكشفت الأمور تدريجيا عن حلقة جديدة في مسلسل الجرائم الغريبة على المجتمع المصري، فالمجرمون أصحاب سوابق اعتادوا المال الحرام وعرفوا طعمه كما اعتادوا السجون وامتزجوا بها ورغم أنهم على يقين مقدما بأن اللص قد ينجو مرة أو مرات لكنه يسقط في النهاية كما يقول دفتر أحوال السجن الذي قضوا فيه سنوات من عمرهم ومع ذلك يستمرون في ارتكاب جرائمهم. جريمتهم الأخيرة اقترنت بكارثة فقد انتهت بوفاة الزوجة إثر إصابتها بانهيار عصبي حاد من هول ما جرى وسقوط زوجها الطبيب البيطري صاحب الشقة الذي كان معلقا فوق الشجرة ونقله للمستشفى في حالة سيئة يعاني من كسر في العمود الفقري وكسور أخرى متعددة ولا يعلم بوفاة زوجته ولا ما أصاب أطفاله إثر فقدهم أعز الناس عليهم وعدم مفارقة صور المجرمين البشعة مخيلتهم. بعد هذه الجريمة التي عاشوا أحداثها لحظة بلحظة.
البداية كانت عند المحرض على الجريمة الذي أرشد الملثمين عن الشقة وهو م.ع.ق (32 سنة) ومسجل سرقات ويسكن في المنطقة نفسها، لم يقتنع بدخله وموارده المالية من محل الدراجات الذي يعمل به وعرف طريق الإدمان مبكرا ولم تعد موارده المالية كافية لإشباع رغباته، كان طبيعيا كما يحدث مع كثير من أمثاله أن يلجأ للعمل في تجارة المخدرات ليضرب عصفورين بحجر واحد، أولهما أنه سيوفر احتياجاته منها وثانيهما أنه يمكن أن يتحول إلى مليونير من هذه التجارة ويودع حياة الفقر التي عاشها منذ نعومة أظافره، لكن السجن كان مصيره الطبيعي بعد أن فاحت رائحته كمروّج للمخدرات ومدمن عليها، أمضى في السجن ثلاث سنوات خرج بعدها ليجد الأرض الفضاء التي كانت مواجهة للمحل الذي يعمل به تحولت إلى عمارة ضخمة وتحتل صيدلية كبيرة الطابق الأرضي منها وعرف أن صاحب الصيدلية طبيب بيطري وانها الصيدلية الثالثة التي يفتتحها في المدينة. ومضت عيناه وهو يرى الصيدلي في سيارته الفاخرة وزوجته ترتدي مجوهراتها التي تمثل بالنسبة لأمثاله كنزا كبيرا ورغم علمه بأن هذا الطبيب هو الذي كان طيلة فترة سجنه دائم العطف على أمه ويقدم لها الدواء مجانا لم يفكر في أن يقدم له الشكر أو يعترف بالجميل، كان في قرارة نفسه يقول إنه غني ولن ينقص من ماله شيء إن هو قدم لأمه أضعاف ما قدمه لها، كان كل همه أن يصل إلى قلبه ربما يلحقه بالعمل عنده وربما يستطيع أن يفوز بالأدوية المخدرة من الصيدلية، وربما أيضا امتنع عن التجارة بعد أن صار مسجلا لدى السلطات وأصبح مراقباً، كانت صدمته كبيرة عندما أوضح له الطبيب بكل لطف أنه ليس بحاجة إلى عمال في صيدليته وحتى عندما طلب منه أن يحرس سيارته وينظفها كل يوم شكره بلطف، فهناك من يؤدي المهمة بكل أمانة، أسقط في يده بعد أن فشلت كل مخططاته ولاحظ أن الرجل يضع مسافة كبيرة بينهما فمن المؤكد أنه على علم بتاريخه وسجله الإجرامي، جلس يفكر لماذا يرفضه؟ ولماذا يبخل عليه وهو على يقين بأنه في حاجة لكل قرش؟ ولماذا لا يجد منه سوى نظرات الاحتقار والازدراء في معاملته؟ إذن، فلينتقم منه وليشاركه في أمواله ومجوهرات زوجته والمسألة بسيطة لكنها تحتاج فقط إلى تخطيط جيد ومعاونين يثق فيهم.
وفكر طويلا حتى استقر رأيه على الاستعانة بصديقيه أحمد (29 سنة -مسجل مخدرات) ويسري (31 سنة -مسجل سرقات) خاصة أنهما من الإسكندرية ولا يترددان كثيرا على هذه المدينة، وعلى الفور نفذ ما استقر عليه رأيه وسافر إليهما وعرض عليهما خطته فوافقا عليها دون تردد، عدة أيام قضياها اصدقاء السوء في ضيافة “العجلاتي” يراقبون عملية دخول وخروج الضحايا لتحديد أنسب الأوقات للانقضاض على الأسرة الآمنة، وفي الموعد الذي حددوه تسلل صديقا السوء إلى المنزل المجاور لمنزل المجني عليهم واقتحما شقة الصيدلي الذي فوجئ بشخصين ملثمين يوقظانه من النوم وأحدهما يضع السكين على رقبته فحاول المقاومة لكنهما هدداه بالذبح هو وزوجته والأولاد وضربه أحدهما بالسكين في يده اليسرى ليؤكد أنه جاد في تهديده، طلب منهما الطبيب أن يأخذا كل ما في الشقة من نقود ومصوغات ولا داعي للعنف، فقيدا يديه بحبل ووضعا قطعة قماش على وجهه وسألاه عن مكان النقود فأرشدهما اليه، وأثناء قيامهما بأخذ الذهب والنقود الموجودة في الشقة وتبلغ قيمتهما 70 ألف جنيه تمكن من الإفلات من الحبل واتجه ناحية الشرفة في محاولة للاستغاثة فلمحه أحدهما وأسرع خلفه وحاول ذبحه بالسكين خاصة بعد أن عرف ملامحه بعد سقوط القناع من على وجهه فألقى الطبيب بنفسه من الشرفة بعد أن اكتشف تصميمهما على قتله والتخلص منه وأثناء سقوطه أخذ يصرخ “الحقوا زوجتي وأولادي” ولحسن حظه سقط فوق إحدى الأشجار أسفل العمارة أنقذته من موت محقق وظل معلقا فترة من الوقت قبل أن يسقط وهو مستمر في إطلاق صيحات الاستغاثة حتى تجمع الجيران وأبلغوا الشرطة والإسعاف.
أثناء ذلك كان الأطفال الثلاثة آية (11 سنة) ومحمد (8 سنوات) ومحمود (4 سنوات) استيقظوا من نومهم على صوت صراخ أمهم وهي تتوسل للمجرمين بأن يأخذا كل ما في الشقة ويتركاهم في حالهم وشاهدوا أباهم وهو يلقي بنفسه من الشرفة فأسرعوا خلفه وأخذوا يطلقون صرخات الاستغاثة لإنقاذ أبيهم المعلق فوق الشجرة، تجمع الجيران وأسرعوا إلى الشقة مسرح الحادث فوجدوها مغلقة فأخذوا في الطرق عليها من دون جدوى فحطموا الباب فوجدوا الزوجة في حالة انهيار تام هي وأطفالها قبل أن تلفظ الزوجة أنفاسها الأخيرة أثناء محاولة إنقاذها ولاذ المتهمان بالفرار من الجانب الخلفي للعمارة بعد أن سرقا كمية من الذهب و75 ألف جنيه و500 دولار أمريكي.
توصلت تحريات المباحث إلى تحديد شخصية الجناة والقبض عليهم، قرر المتهم الأول أنه لم يتصور أن أحدا يمكن أن يكتشف صلته بالجريمة لأن دوره اقتصر على التخطيط فقط ولم يشارك في تنفيذها كما أن زميليه من الإسكندرية لذا تصرف بطريقة طبيعية بعد الجريمة ولم يغادر المنطقة حتى لا يشك أحد في علاقته بهما، أما صديقاه فقررا أيضا أنهما كانا على اقتناع باستحالة كشف جريمتهما لأنهما كانا ملثمين وقت ارتكابها ولا يترددان كثيرا على هذه المدينة، وبدت على المتهمين علامات اللامبالاة وتحجر القلب وكأن شيئا لم يحدث.
أحيل المتهمون الثلاثة إلى النيابة واعترفوا بجريمتهم تفصيليا فأمرت بحبسهم على ذمة التحقيق بعد أن وجهت إليهم تهم القتل والشروع في القتل والسرقة بالإكراه ودخول مسكن بقصد ارتكاب جريمة. وأعاد المتهمون تمثيل الجريمة بحضور عدد كبير من الجيران الذين حاولوا الفتك بالمتهمين. وقرر قاضي المعارضات تجديد حبسهم 45 يوماً تمهيدا لإحالتهم إلى محكمة الجنايات لينالوا الجزاء.
